جاسر
على باب الغرفة..مسحت عبراتها ب ظهر يدها ثم نهضت وتساءلت ب صوت مبحوح
مين!
جاءها صوت طفوليأنا يا مامي..عاوزة أدخل...
أزالت روجيدا باقي عبراتها ورسمت إبتسامة دافئة على وجهها ولا تزال يدها تتشبث ب ثوبها..ثم فتحت الباب قائلة
حبيبة مامي...
قفزت الصغيرة ب أحضانها لتتشبث بها روجيدا وكأنها طوق النجاه..إبتعدت الفتاه عن أحضانها وقالت ب براءة
أخذت منها روجيدا قطعة القماش وقامت ب فردها لتجده ثوب قماشي من خامة الحرير على هيئة بنطال وكنزة متصلين ب فتحة صدر مثلثية صغيرة وحمالات رفيعة من اللون الكستنائي يتداخل معه الأسود..زفرت ب ضيق ثم ملست على خصلات الصغيرة وتشدقت
طب روحي يا قلبي وأنا نازلة...
أومأت الصغيرة ب رأسها عدة مرات ثم ركضت إلى الخارج..أغلقت روجيدا الباب وتركت ثوبها يسقط ب حرية..كان عقلها شارد حزين..خيبة أمل ممتزجة ب شعور الطعن واليأس..أهدرت كرامتها أمامه..من أجله فقط تخلت عن ما تبقى من ذرات كرامتها لأجله..تناست فعلته معها..سامحته..تقسم أنها سامحته ولكنه لم يسامح نفسه...
وجدت جلنار تجلس مع جدتها ف إتجهت إليهم صافحت فاطمة وتحدثت معها في بعض الأمور ثم إستأذنت الرحيل...
لم ترد أن ترى جاسر ف شعور الكره لديها تنامى ب شكل غريب كره يمتزج معه الألم ومرارة ك مرارة الحنظل..توجهت إلى الحديقة لتجده يجلس على العشب الأخضر ب بنطاله القطني وقميصه الأسود المفتوح ليبرز عضلات جسده المتناسقة...
روجيدا!!...
تجاهلت نداءه وأكملت طريقها دون أن تنكر تلك الرعشة التي سرت ب جسدها عندما نادها ب هذا الشكل..زفر جاسر ب ضيق ف نادها ب قوة وحزم
روجيدا!...
توقفت روجيدا لا إراديا بسبب نبرته..سمعت خطواته تتجه إليها ب رتابة ف قبضت على ثيابها تبثها الدفء..وقف أمامها يحدق بها ب عمق أذابها ثم تشدق ب نبرة عميقة ك نظراته
إرتفع حاجبيها ب تعجب ثم ما لبثت أن تحولت إلى شراسة..كزت على أسنانها ب قوة وقالت من بين أسنانها
بعد إذنك عاوزة أمشي
روجيدا أنا آآآ...
قاطعته وهى تلكز صدره ب حدةأنت إيه!..ها قولي!..مرة بتحبني ومرة مش بتحبني..عاوزني أفضل جنبك بس ف نفس الوقت ب تبعدني..ألاقي أسمي على جسمك فوق قلبك وبرضو بتكابر...
كل مرة قربت منك فيها بتخليني أندم بعدها..سامحتك ع حاجة أنا مفكرتش أعاتبك عليها أصلا..وأنت مصمم تفكرني بيها..ربنا يشهد أني ضعيت أخر ذرة ف كرامتي عشانك..وبرضو مهنتش عليك..أنت قولت لو حبي هيضعفك متحبنيش..أنت مش بس ضعفتني..أنت كسرتني يا جاسر...
الألم الذي وخز صدره ولا أنفاسه التي تثاقلت..رمت كلماتها بلا رحمة ف أماتت روحه..كسرها يعلم ذلك ولكنه لم يكن ب يده..فلا يوجد خيار سوى الرحيل..إما تركها أو مۏتها..ف إن كان تركها عڈاب..ف مۏتها جهنم الله ف الأرض...
خلصتي!..يلا عشان أوصلك...
أمسك ذراعها وجرها خطوتان تحت ذهولها..إلا أنها أبعدت يده عنها وصړخت ب جماح
أنت إيه يا أخي!..إبعد عني..وإياك تفكر تقرب مني تاني..هعيش حياتي وأنساك...
ثم رحلت..تاركة إياه يتصارع مع نفسه فيما قالته لتشتعل روحه پغضب أسود..ڠضب رجل عاشق حتى النخاع تخبره حبيبته ب بساطة أنها ستتخطاه..ركل جاسر الطاولة التي ب جانبه ب ڠضب ثم زأر ب صوته الجريح.. أمسك هاتفه وهدر ب عڼف في أحد حرسه
ورا روجيدا هانم وعينكوا متغفلش عليها لحظة...
ثم قڈف الهاتف ب عڼف..ليسقط على الأرض يفرد يده وقدماه على الأرض...
بقى على تلك الوضعية حتى شعر ب ثقل على يا زهرة الرمان!
تجاهلت الصغيرة سؤاله وتساءلت هىمامي راحت فين!..أنا فكرتها هتقعد معانا على طول...
أخذ جاسر نفسا عميق حتى إرتفع صدره على أقصى حد ثم قال ب هدوء مټألم
وأنا يا جوجو..بس مش كل حاجة بنعوزها بتحصل..في حاجات بتكون خارج إرادتنا..وأنا ومامي بينا حاجات صعبة مش هتفهميها...
نظرت له الصغيرة ب حاجبين معقودين ب لطافة ف إبتسم جاسر ب دفء ثم قرص وجنتها ب لطف وقال
إيه رأيك نعمل حاجة مچنونة!
صفقت الصغيرة ب حماس ثم قفزت عن والدها وقالت
هييييه..يلا يا بابي
يلا يا حبيبة بابي...
تسير ب سرعة كبيرة غير آبهه ب نظرة الناس أو عبراتها التي لم تتوقف عن الجريان حتى دلفت خارج القرية..حينها تنفست الصعداء وكأنها على وشك الإختناق..ثم أكملت سيرها شاردة...
في نفس الوقت وعلى نفس الطريق كان شريف يقود سيارته ويتحدث ب الهاتف شارد ب تفكيره قليلا عن الطريق أمامه
أيوة يا مجد..أنا خلاص خصلت الشغل وراجع
برضو مبطلتش تدور وراه!
زفر شريف ب ضيق وقالمبدورش وراه..الرئيس الأمن بعتني شغل هنا خلصته وجاي...
وعلى حين غرة أوقف السيارة حتى أحدثت صرير وهو يرى تلك المرأة الشارد تعبر الطريق..أطلق السباب اللاذع لها ولكنه صمت في المنتصف عندما إكتشف هويتها..إتسعت عيناه ب قوة وذهول..ثم تدارك نفسه وقال لمجد الذي كان ېصرخ ب الهاتف
أقفل دلوقتي..هكلمك بعدين...
ومن دون مقدمات أغلق الهاتف ب وجه وقذفه أمامه ب إهمال..ثم ترجل من السيارة ب لهفة وقد أشرقت ملامحه...
كانت روجيدا تجلس على الطريق ما أن سمعت صوت مكابح السيارة لتسقط ب فزع..لتجد شاب جذاب الملامح يقترب منها ب لهفة..ثم جثى على ركبتيه وتساءل ب قلق
حصلك حاجة!!
نفت ب رأسها ب إهتزاز ولم ترد..بينما بقى شريف يحدق بها ب نظراته الملهوفة والحانية..مد يده إليها وهو يبتسم ثم قال
تحبي أساعدك!...
وأيضا نفت ب رأسها..حاولت النهوض وب الفعل نجحت ولكن ما أن إستقامت حتى ترنحت ب وقفتها..أسرعت يده وأسندها ب لطف قائلا ب هدوء وحزم
حضرتك شكلك تعبانة..تعالي نروح لدكتور
نفت قائلة ب خفوتأنا كويسة..بس عاوزة أمشي من هنا
بقى على إبتسامته وقالتحبي أوصلك!...
نظرت له ب شك وقد أصابها التوتر.. ليقهقه شريف ب وقار ثم هتف ب جدية
مټخافيش أنا ظابط..تحبي تشوفي بطاقتي!...
إبتسمت ب خفوت وهزت رأسها ب نفي وخجل..لتتسع إبتسامة شريف وقال
طب يلا عشان وقفتنا غلط والطريق مقطوع...
أومأت ب رأسها ف أشار لها
إلى السيارة..تقدمها وفتح لها باب السيارة..جلست هى ف أغلق الباب ودار هو حول السيارة...
وعلى الجانب الأخر من الطريق وقف رجال جاسر ب حيرة ليتشدق أحدهم
هنقول لجاسر باشا ع اللي حصل!
رد عليه أخرأيوة عشان يعلق رقابنا على مدخل القرية
زفر الأول ب ضيق وتساءلطب هنعمل إيه!
نقوله كل حاجة تمام..دا لو عرف إنها ركبت مع راجل..أقسم بلله حرب عالمية هتقوم
تشدق أحدهموبعدين متخافوش دا ظابط
عرفت منين!
سأله الأول ليجيبه ب جدية
شوفته ف قرية الهوارية وعرفت إنه ظابط
ربت أحدهم على كتفه وقالكدا تمام يلا نحصلهم...
وتبعوه وهى يصعد إلى السيارة وأدار المحرك..إنطلق ب سيارته وكان الصمت سيد الموقف..ليقطعه قائلا
أنا أسمي شريف..ملازم أول...
أومأت ب رأسها ب صمت ولم ترد..ليتشدق ب حرج
طب مش هتعرف بيكي!
أخذت نفسا عميق ثم قالت ب فتورروجيدا الصي..روجيدا التهامي...
أومأ ب رأسه وقالتشرفنا...
ولم تلحظ إلتواء عضلة فكه أو مفاصله التي إبيضت من قوة قبضة يده عليهازعندما كادت أن تنطق ب اسمها مقرون ب اسم الصياد..ولكنه أخمد مشاعره وتساءل ب هدوء
ممكن أسألك..أنتي بتعملي إيه ف طريق مقطوع زي دا!..حتى شكلك مش من أهل البلد
ردت ب إقتضابموضوع طويل
قدمنا طريق طويل
رفعت أحد حاجبيها وقالت ب فظاظةأظن إني معرفكش..وأظن إني مش عاوزة أقولك إن دي خصوصيات وملكش دخل فيها...
ب الرغم من إحراجه وإحمرار وجهه غيظا إلا أنه إبتسم ب برود وقال
حقك...
وأكمل الطريق في صمت..ولكنه كان ېختلس العديد من النظرات إليها..كان قلبه يقفز فرحا..هى ب جانبه ب سيارته..تحادثه ب فظاظة كما حدثته أول مرة..إبتسامة شقت وجهه ب سعادة..وهناك ما يخبره أنها لن تكون أخر مرة يراها...
بعد مرور العديد من الوقت وصلت روجيدا إلى منزلها بعدما أرشدته..أغلق محرك السيارة..ثم إستدار إليها وتساءل ب إهتمام
متأكدة منرحش لدكتور!..باين عليكي التعب
ردت روجيدا ب عدم إهتمامأنا كويسة مش محتاجة دكتور...
همت لتفتح الباب ولكنه أوقفها
روجيدا!...
نظرت إليه وهى ترفع أحد حاجبيها من جرأته في مناداتها ب دون ألقاب..ولم ترد عليه بل بقت تنظر إليه...
فهم هو نظراتها ف تنحنح ب حرج وقال
أنا أسف..يا مدام روجيدا
كدا أفضل...
إبتسم شريف ب إصفرار ثم قال ب نبرة عميقة
ممكن أشوفك تاني!
رفعت كلا حاجبيها وتساءلتب مناسبة!!...
حك مؤخرة رأسه وقال ب تمتمة
هو مفيش مناسبة..بس حابب أتعرف عليكي
إبتسمت ب إستخفاف وقالتسوري..وأنا مش عاوزة أتعرف عليك...
فتحت روجيدا باب السيارة ثم ترجلت منها وقبل أن تتحرك..إنحنت إلى نافذة السيارة وتشدقت ب برود
مرسيه ع التوصيلة..يا سيادة الملازم...
إعتدلت في وقفتها ثم رحلت وتركته ينظر في إثرها ب شرود وإبتسامة عذبة تزين ثغره..عاد ينظر أمامه ما أن إختفت عن أنظاره ثم أدار محركه وإنطلق ب السيارة..تمتم مع نفسه ب إبتسامة ثقة
صدقيني مش هتكون أخر مرة أشوفك فيها..هخلق من كل صدفة معاد بينا...
وضع العامل أخر قطعة خشب ثم رحل..وضع بنيته
تساءلت الصغيرة ب إنبهارواااو..يعني أنت اللي عملت كل حاجة..كل حاجة!
ضحك جاسر وقالأيوة أنا اللي عملت كل حاجة..كل حاجة...
ثم نهض وأصطنع الجدية
يلا يا أستاذة جلنار ورانا شغل كتير
إنتصبت الصغيرة وقالت ب حماس yes dad أجل والدي
حمل جاسر الأخشاب وصعد بهم إلى سقيفة المنزل الريفي ثم نزع قميصه وبقي ب كنزة قطنية بيضاء ذات حمالات عريضة..إنحنى إلى دلو الطلاء ونزع غطاءه وبدأ في تقليبه...
بقت جلنار تشاهده وهى تأكل شطيرة صغيرة قام جاسر
ب إعدادها لها..سألته الصغيرة ب براءة
بابي..أساعدك!
إبتسم جاسر وقاللأ كلي الأول...
أومأت الصغيرة ب رأسها..أمسك جاسر الفرشاه ونهض ليبدأ في طلاء ذلك العمود الخشبي ب لون القهوة..بدى كمحترف ويداه تصعد وتهبط ب حرفية عليه
كان شارد الذهن وهو يقوم ب الطلاء..تذكر أخر محادثة بينه وبين روجيدا لتزداد سرعته وغضبه إلا أنه لم يتوقف..كادت ذاكرته أن ټخونه ويتذكر ذلك اليوم إلا أن يد صغيرة أخذت تشده من بنطاله أفاقته من غفوته..ف تساءل جاسر ب صوت لاهث
عاوزة حاجة يا حبيبتي!
قامت ب نفض يديها وقالتعاوزة ألون معاك...
ضحك جاسر ثم قال ب إبتسامة دافئة
حاضر يا حبيبتي..هاتي الفرشة دي وتعالي أما أعلمك...
ركضت الصغيرة وأحضرت الفرشاه..عادت مرة أخرى إليه و وقفت أمامه..أعطاها دلو الطلاء وأشار إلى قطعة خشب صغيرة وقال
يلا روحي لوني الحتة دي...
ثم وفعلت ما فعل جاسر..إبتسم جاسر ب
إتساع وأكمل عمله..سألته جلنار وهى منهمكة فيما تفعله
هو دا إيه يا بابي!
أجابها جاسر ب جديةهنعمل بيت صغير لينا أنا وأنتي ومامي وبس
قفزت الطفلة ب حماس وقالتيعني مامي هترجع!
أومأ جاسر ب رأسه ثم قال ب حزمأيوة..خلاص مامي ملهاش غيرنا أنا وأنتي...
أخذت الصغيرة تقفز وتهلل ب حماس..بينما بقى جاسر يراقبها ب إبتسامة..وهناك في زاوية ما في صدره تخبره أنها ستعود من جديد له..ف فكرة نسيانه وحب أخر..تبعث