جاسر
فيك إيه!
هز الطبيب ب رأسه ب نفي عدة مرات ب هستيرية ليقول جاسر ب نفس النبرة
وأحسنلك متعرفش..يلا غور...
ثم دفعه ب حدة ليهرول الطبيب إلى داخل الغرفة وبقى جاسر يدور حول نفسه ك أسد جريح..يتصبب من جبينه العرق..ضربات قلبه في وتيرة غير منتظمة..عيناه حمراوان ب لون الډماء..روحه التي أصبحت ك صحراء جرداء دونها..وضع جاسر يده على
مرت ساعة وأخرى تلتها أخرى والجميع يلتف حوله بعدما علموا ب الخبر..الكل يشد أزره ولكنه بدى ك من عزلت روحه عن العالم وبقى جسده فارغ..وتلت الساعات..ساعات أخرى ولا أحد يخرج ويطمأنهم...
ومع بزوغ فجر اليوم التالي..دلف الطبيب خارج غرفة العمليات يتنهد ب إنهاك..ف ركض جاسر يمسكه من تلابيبه وقال ب ذعر وڠضب
ربت الطبيب على يده وقال ب تفهم وهدوءمتقلقش يا جاسر بيه..العملية نجحت..لكن...
صمت قليلا ليهوى قلب جاسر بين قدميه و دون أن يتجرأ على السؤال أكمل الطبيب حديثه
الحاډث مكنش سهل أبدا..في كسور كتيرة ف جسمها ب الإضافة إلى تهشم العضمتين بتوع الترقوة..في تكتل دموي ف المخ وحولين الرئة مش هنقدر نعملهم حاجة إلا لما تفوق دا غير الإصابة بتاع العمود الفقري ومش هقدر أجزم خطۏرة الإصابة إيه..بجد ربنا كتبلها عمر جديد...
يعني إيه لما تفوق!
أخذ الطبيب نفسا عميق ثم قاليعني حاليا هى دخلت ف غيبوبة لأجل غير مسمى..وجايز الله أعلم متفوقش أصلا منها...
تهدل كتفي جاسر وسقطت يداه ب جانبه وقد إزداد شحوب وجهه..سقط جاسر على ركبيته ثم وضع يده على صدره وصړخ ب ألم واضح
اااااه...
وبعدها سكن العالم من حوله..لم يتذكر شئ سوى إفاقته بعد ثلاث أيام في غرفة بيضاء يرتدي ملابس المشفى ذات الرائحة الكريهة ب النسبة له..حاول النهوض ليجد صدره موصول ب بضعة أسلاك ف نزعهم ونهض...
جاسر!..رايح فين..أنت لسه قايم من جلطة ف القلب
دفعه جاسر ب ضعف وبقى يتحرك..إلا أن صابر حاول منعه قائلا
طب فهمني رايح فين!
أجابه جاسر ب ضعف وهو يترنحرايح لمراتي
بشكلك كدا!..جاسر الله يكرمك لا أنت ولاهى ف حالة تسمح ب الكلام.. لا هى فاقت ولا أنت قادر تتكلم
أغمض جاسر عينه وقال ب نفاذ صبرإبعد عني..عاوز أشوفها...
طب تعال هما نقلوها للعناية...
وسار معه إلى الغرفة..تعجب الجميع وكادت أن تتحدث فاطمة ولكن صابر أشار لها ب الصمت..حاول مساعدته في الدخول ولكن جاسر منعه وطلب منه البقاء ب الخارج..إمتثل صابر إليه وبقى خارجا..بينما دلف هو إلى الداخل ب خذلان ...
حدق مليا بها..وجهها المليئ ب الچروح والخدوش..رأسها المضمد ب شاش طبي وقد تكونت بقعة حمراء في أحد جوانبه..ذراعيها و قدمها اليمنى المجبرة..صدرها الظاهر أسفل الملاءه البيضاء والموصول ب أجهزة طبية ظهرت أيضا عليه الچروح...
مد يده إليها وأمسك كفها البارد والذي لم ..بس مكنتش عارف أنه هيجي بسرعة أوي كدا...
وكونه قد تعرض إلى ذبحة صدرية منذ ثلاثة أيام..ثم أكمل حديثه
أنا أسف..عشان خاطري متسبينيش ولا تسيبي بنتنا..مش هنقدر نكمل من بعدك...
ثم نهض فراولتي...
ثم دلف إلى خارج الغرفة...
مر على ذلك اليوم ثلاثة أشهر قد أقام بها جاسر مع روجيدا ب المعنى الحرفي..حيث قام رئيس المشفى ب نقل فراش خاص له..وأصبح مقيم معها ينام ويصحو ب جانبها..يقرأ لها ويجلب طفلته من أجل الحديث معها..يخبرها كم
إشتاقها وإشتاقت لها طفلتيهما..حتى إستيقظت ذات يوم ليصاحب فرحتهم ب عودتها إليهم..خبر الشلل الذي عانت منه بسبب الحاډث...
ولكن جاسر لم يستسلم وأجبرها على الخضوع إلى الجراحة التي أخبره بها الطبيب وأن نسبة نجاحها معقولة ولكنه تمسك ب أي أمل طفيف..وب الفعل خضعت روجيدا إلى الجراحة وإستعادت قدرتها على السير ولكن بعد عناء طويل من علاج فيزيائي داخل وخارج مصر..جلسات منذ تعرضها للحاډث إلى الآن...
عودة إلى الوقت الحالي
ومع سيل تلك الذكريات التي هاجمته ب شراسة تذكر تلك الرسالة التي بعثت له ف علم أن الحاډثة مدبرة..أصبحت ب خطړ ېهدد حياتها ولكنه لم يتخل عنها بل تمسك بها أكثر..إلى أن جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير...
قطعت روجيدا سيل أفكاره وهى تسأله
روحت فين!!
رد ب هدوء وكأن شيئا لم يكنمعاكي..وأبعدي كدا عشان أقوم...
وكاد أن ينهض إلا أن يد روجيدا منعته وحدقت ب صدره..ف لم تلحظ ذلك الوشم إلا الآن..لتقول ب ذهول وهى تنظر إليه
إيه دا!
نظر جاسر إلى ما تنظر إليه..ف وجدها تحدق ب اسمها المدموغ على جلده موشم فوق قلبه مباشرة..أبعد جاسر يدها وهو يتنهد تحت نظراتها المذهولة..ثم قال ب هدوء
قلبي معرفش غير حبك يا روجيدا..مستحيل حد يملكه غيرك
هتف بها ثم توجه إلى خزانة الثياب وإنتقى له قميص يرتديه فوق بنطاله البيتي...
نهضت روجيدا ب عڼف وهتفت ب حدةولما هو كدا..بعدت عني ليه!..سبتني وأنا ف عز إحتياجي ليك
لأن دا الصح
صړخت ب هياجلأ مش صح يا جاسر..مش صح أبدا..ليه بتعذبني وبتعذب نفسك!..ليه!...
وبدأت عبراتها ب النزول..ف تحدثت من بين شهقاتها
سنين وأنت بعيد عني..كل أما أحاول أقرب منك ب تبعدني..ليه مش عاوزني أكون جنبك..أسندك ف ضعفك زي ما بتعمل معايا...
تقدمت منه و وقفت أمامه ثم هتفت وهى تشهق
أنا موافقة يا جاسر. موافقة بكل اللي هيحصل..أنت قبلتني ب عيوبي..قبلتني وأنت عارف كل حاجة..لا وأنت ساعدتني وبتساعدني..ليه عاوز تبعد!..أنا محتاجاك أكتر ما أنت محتاجني...
هو لا يحتاج إلى كل ذلك الحديث والإصرار..لا يحتاج إلى عبراتك..لا شئ يبعده عنك سوى ماض لم يستطع تخطيه..يوم أسود توقفت عنده حياته..عندما أحس لولهة أنه سيؤذيها كما أؤذت من قبل..ولكن
أظلمت عيناه فجأه ثم جذبها من ذراعها ب توحش لتسقط في أحضانه..لبرهة ظنت أنه يستعيد حق قد سلبه من نفسه..إلا أن عيناها إتسعت ب هلع وهى تشعر ب يداه تتجه إلى الثوب ويشقه من الخلف حتى نهاية ظهرها..فتحت فاها وخرج منها صړخة مدوية شقت سكون الليل من شدة فزعها..بكت وهى تتوسله ب هستيرية
لأ يا جاااسر..لأ عشان خاطري
ولكنه لم يرد عليها ولكن ملامحه إشتدت قتامة بها لمحات ولمحات من الألم..نزل ب يده وهو يتحسس ظهرها على طول عامودها الفقري إلى أن وصل إلى ذاك الچرح..كانت روجيدا تتلوى بين يديه وهى تأن ب ذعر قد حفر جيدا على قسماتها..إلا أن صوت جاسر وهو يهتف ب نبرة جامدة
فاكرة الچرح دا!!..أنا السبب فيه
سكنت قليلا..وعيناها تتسعان وترجعان إلى ذكرى لم يمر عليها زمنا طويل..أبعدها جاسر عنه ب حدة..لتتسمك هى ب ثوبها حتى تمنعه من السقوط
والچرح دا لما كنت هأذيكي ب أبشع الطرق...
وضعت يديها على أذنها وصړخت ب هستيرية
بسسسس..كفاية عشان خاطري..كفاية...
وظلت تبكي وتنتحب حتى خارت قواها وفقدت الوعي..وقبل أن تسقط على الأرض كانت يده تضمها إلى صدره ب قوة حانية..حملها بين يديه وكأنها لا تزن شئ ثم وضعها على الفراش وأخذ يملس على خصلاتها ب حنو مشبع ب الألم...
وبعد لحظات إستعادت روجيدا وعيها وهى تنتفض صاړخة ليستقبلها جاسر في أحضانه ورأسها
مغمور في صدره..همس جاسر ب جمود
ولسه بتحبيني!!..بتحبي واحد مقدملكيش غير الأڈى والۏجع..كفاية كدا يا روجيدا...كفاية أوي أنا....
ولم يستطع إكمال حديثه ف إبتلع غصة في حلقه ثم وتصرخ ب إهتياج...
بقيت تنظر إلى الأصفاد الموضوعة ب يدها ويده كي يضمن عدم هروبها ثم ترتفع نظراتها إليه ب عينان ضيقتان حادتان ك حدة الصقر ثم تشدقت ب ضجر
ممكن أفهم إيه دا!...
ثم رفعت يدها إلى مستوى نظره ف نظر إليها ب لا مبالاه وأكمل قيادة سيارته..زفرت ب ضيق وقالت ب توسل وعينان تحولت إلى البراءة الخالصة
حبيبي ممكن تفهمني أنت عملت كدا ليه
نظر لها ب نصف عين وقال ب برودمتفكريش تثبتيني عشان زمن النحنحة دا خلاص بح..فينيتو يا بيبي...
زمت ك الأطفال ثم ما لبثت وأن تحولت هادرة ب صوت عڼيف
فك الزفت دا وبطل هزارك السئيل زيك...
صفعها ب خفة على وجنتها ودفعها إلى الجانب الأخر ثم قال ب هدوء
لسانك ميطولش يا شاطرة
هتفت ب ذهول وأعين متسعةأنت بتضربني يا صابر!
رد عليها ب إستفزازتؤتؤتؤ..متضربتكيش يا قلب صابر..أنا بس بفوقك عشان لسانك عاوز قصه
قالت ب نبرة على وشك البكاءيا صابر عشان خاطري فهمني أنت بتعمل كدا ليه
وبلا أي تردد أجابهاعشان متهربيش مني تاني...
ألجم لسانها الصدمة من صراحته لتبتسم ب عذوبة قائلة
بس أنا مهربتش..أنا كنت بحقق حلمي اللي أنت محرمتنيش منه...
إمتدت يده إلى خصلاتها وداعبها ب حب ثم قال ب نبرة عميقة
عشان بحبك عاوز أشوفك أحسن واحدة ف الدنيا..مش عاوز أشوف نظرة ندم ف عنيكي أني هدمت حلم من أحلامك...
أمسكت يده ثم قبلتها ب حب متشدقة
هو أنا قولتلك أني بحبك!
رأسها..ف ب هدوء
ممكن تفك الكلبشات دي..شكلي عامل زي بتوع الأحداث!
تؤ..هخليكي كدا وهتيجي معايا الشركة كدا...
إنتفضت من أحضانه وصړخت ب عدم تصديق
صابر!!
إنحنى صابر وقبل وجنتها ثم قال ب رقةقلب صابر يا ناس...
وضعت يدهاعلى وجها تهز رأسها ب يأس من هذا الأحمق ولكن ماذا تفعل!!..الحب لعڼة...
زفرت مرة أخرى ثم قالت ب نبرة هادئة بعض الشئ
طب إحنا رايحين فين!..لسه بدري ع الشركة
رد ب بساطةرايحين نفطر
رفعت أحد حاجبيها وتساءلتب الكلبشات دي!
ب إقتضاب قالأه...
أغمضت عيناها تعد من واحد إلى عشرة علها تهدأ من نفسها قبل أن تهاجمها ثورة الجنون..فتحت عيناها مجددا وقالت ب إبتسامة مصطنعة
يا حبيبي أفهم..إحنا لو دخلنا المطعم كدا..مش هنقعد ثواني وهنلاقي البوليس سوا سوا قاعدين ف التخشيبة
رد عليها وكأنه يخبرها ب الطقسمنا مفضي المطعم ومتفق مع صاحبه كمان...
تهدل كتفيها ب يأس وعلمت أنه لا مفر من الهروب من تلك الأصفاد..ف إستسلمت لمصيرها وسكنت في مقعدها تقلب عينيها إلى أعلى مزمومة إلى الأمام...
طرقات خفيفة على الباب ثم تبعه دلوف الطارق..إنحنى ب إحترام لذلك الشخص الذي يعطيه ظهره ثم قال
سيدي جاسر الصياد خالف وعده معنا...
إلتفت ذلك
الجالس وب يده لفافة التبغ الكوبية..وضعها داخل فمه ساحبا منها عدة أنفاس ثم زفرها دفعة واحدة..تساءل ب برود
وكيف فعل هذا!
رد الأخرذهب إلى منزل زوجته السابقة ثم أخذها معه إلى منزله ب القرية
رفع الرجل أحد
حاجبيه ثم قالإذا هو ب حاجة إلى تذكيره ب وعده
ب ماذا تأمرني سيدي!...
أخذ الرجل نفسا عميق ثم إستدار ب مقعده ليواجه النافذة الزجاجية وقال ب خبث
عليك ب تذكيره..مجرد ترك ملاحظة خفيفة...
إنحنى الرجل مرة أخرة ثم خرج و وضع الهاتف على أذنه..ثوان ليسمع صوت الآخر ليقول ب إقتضاب
كريس..لديك مهمة
صمت قليلا ثم قال
جاسر الصياد!!!....
بقيت روجيدا تنتحب فترة من الزمن لتستمع صوت طرقات خفيفة